معركة بلا منتصر.. إسرائيل وإيران بين روايات الانتصار وتكلفة الدمار
خلال حرب الـ12 يوما
رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى "هدنة شاملة" بين إسرائيل وإيران، فإن نهاية الحرب التي استمرت 12 يومًا لم تحسم الجدل حول هوية المنتصر، في ظل تمسك كلا الطرفين بسردية النصر، وتضارب الروايات بشأن حجم الخسائر التي تكبدها الجانبان.
وبينما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن بلاده حققت "انتصارًا تاريخيًا"، وصف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ما جرى بأنه "نصر عظيم" في وجه "عدوان مفروض".
وفي الوقت الذي تحتفي فيه كل عاصمة بسرديتها، تشير الأرقام والمؤشرات الميدانية إلى واقع أكثر تعقيدًا، يتداخل فيه النصر بالتكلفة الباهظة.
وأعلن ترامب، الاثنين، عن اتفاق وقف إطلاق نار "كامل وشامل" دخل حيز التنفيذ فجر الثلاثاء بتوقيت غرينتش، داعيًا الطرفين إلى احترام الهدنة وعدم خرقها.
ورغم توقف القتال، فإن تداعيات الحرب لا تزال تتردد، سواء على الأرض أو في الخطاب السياسي والإعلامي للطرفين.
تصريحات للاستهلاك المحلي
في خطاب متلفز، قال نتنياهو إن "إسرائيل أزالت تهديدين وجوديين مباشرين"، في إشارة إلى البرنامج النووي الإيراني وقدرات الصواريخ الباليستية.
وأضاف أن الجيش الإسرائيلي قضى على "كبار القادة الإيرانيين"، بينهم ثلاثة من رؤساء الأركان، وعلماء نوويون ومسؤولون بارزون، كما دمر منشآت حيوية في أصفهان ونطنز وآراك، في حين نفذ الجيش الأمريكي غارة على منشأة فوردو النووية شديدة التحصين.
من جانبه، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في رسالة وجهها للشعب، إن "الشعب الإيراني صمد بشجاعة، وفرض معادلة جديدة على العدو"، معتبرًا أن "الهجوم الإسرائيلي جاء نتيجة مغامرة متهورة"، وأن الرد الإيراني "أجبر إسرائيل على القبول بالهدنة دون تحقيق أهدافها".
خسائر فادحة على الجانبين
وأعلنت وزارة الصحة الإيرانية مقتل 610 مدنيين وإصابة 4.746 آخرين، بالإضافة إلى تضرر 7 مستشفيات و9 سيارات إسعاف، جراء الضربات الإسرائيلية منذ 13 يونيو.
وأكدت تقارير محلية أن طهران فقدت عددًا كبيرًا من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين في الهجمات الأولى، كما لحقت أضرار جسيمة بالمنشآت النووية، لا سيما في نطنز وأصفهان وفوردو.
كما أشارت إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة استهدفت 15 عالمًا نوويًا، وتدمير نحو 65% من منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية.
وعلى الجانب المقابل، أفادت خدمات الإسعاف في إسرائيل بمقتل 28 شخصًا، وإصابة أكثر من 1300، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن عدد المصابين تجاوز 3400، كما خسر نحو 11 ألف شخص منازلهم، في حين تقدم نحو 38.700 مواطن بطلبات تعويض عن الأضرار.
وسجلت إسرائيل سقوط 63 صاروخًا وطائرة مسيّرة داخل أراضيها دون أن يتم اعتراضها، وسط إطلاق أكثر من 547 صاروخًا و1.150 طائرة هجومية من إيران.
واستهدفت الضربات الإيرانية منشآت حيوية، من بينها معهد وايزمان للعلوم، ومصفاة بازان في حيفا التي توقفت عن العمل متسببة في خسائر يومية تُقدر بـ3 ملايين دولار، كما أُغلق مطار بن غوريون، ما أثّر في نحو 35 ألف مسافر يومياً.
تكلفة اقتصادية باهظة
وقدرت صحيفة فايننشال إكسبريس أن إسرائيل أنفقت نحو 5 مليارات دولار خلال الأسبوع الأول من الحرب، بمعدل 725 مليون دولار يوميًا، منها 593 مليون للهجمات، و132 مليون دولار للدفاعات والتعبئة.
وبحسب وول ستريت جورنال، تراوحت كلفة تشغيل أنظمة الدفاع الجوي بين 10 و200 مليون دولار يومياً، ولو استمرت الحرب شهرًا، لكانت الكلفة الإجمالية تجاوزت 12 مليار دولار، وفق معهد آرون للسياسات الاقتصادية.
وفي قراءة أولية للمشهد، يرى خبراء تحدثوا لـ"جسور بوست" أن الحرب حملت خسائر قاسية للطرفين، ما يجعل الحديث عن نصر نهائي أمرًا نسبيًا ومعقدًا.
بينما تلقّت إيران ضربة موجعة لبنيتها النووية والعسكرية، تعرضت إسرائيل لواحدة من أعنف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة في تاريخها، وسط تضييق على المعلومات الرسمية بشأن خسائرها الفعلية.
وفي ظل عدم الكشف الكامل عن تفاصيل الخسائر، تبقى الإجابة عن سؤال "من انتصر؟" رهينة بتقديرات استراتيجية ومعنوية، لا بالأرقام وحدها.
إيران تلقت ضربات قاسية
وسط تباين التقديرات بشأن نتائج الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل، أكد خبراء ومحللون تحدثوا لـ"جسور بوست" أن الطرفين تكبّدا خسائر فادحة، وأن النصر الحاسم لا يزال بعيدًا عن أيٍّ منهما، رغم الخطابات السياسية التي تبنّت روايات الانتصار.
وبدوره قال رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن الحرب الأخيرة لم تترك منتصرًا حقيقيًا، لكنها كشفت عن حجم الدمار الذي تعرضت له إيران مقارنة بما لحق بإسرائيل.
وأوضح فيصل، وهو دبلوماسي عراقي سابق، أن "كلا الطرفين تعرض لخسائر فادحة، لكن طهران لم تنجح في استهداف منشآت عسكرية أو نووية أو مراكز استراتيجية داخل إسرائيل، واقتصرت ضرباتها على أهداف مدنية جزئيًا كبعض المباني والبنية التحتية".
وأضاف: "على العكس، فإن إسرائيل، بالتعاون مع الولايات المتحدة، تمكنت من تنفيذ ضربات دقيقة ضد منشآت نووية إيرانية، ودمرت منصات لإطلاق الصواريخ ومصانع إنتاجها، إضافة إلى اغتيال قيادات عسكرية وعلماء بارزين".
واختتم حديثه بالقول: "المحصلة الأولية تشير إلى أن إيران تلقت دمارًا واسع النطاق يجعل من الصعب اعتبارها رابحة في هذه المواجهة، رغم ما ألحقته بإسرائيل من أضرار محدودة نسبيًا.
لا منتصر ولا منهزم
في المقابل، يرى العميد المتقاعد هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات في بيروت، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن نتائج الحرب لا تزال غامضة، ولا يمكن إصدار حكم نهائي بشأن المنتصر.
وقال جابر: "لا توجد إجابة حاسمة حتى اللحظة. من الواضح أن الطرفين تكبّدا خسائر كبيرة، لكن إسرائيل لا تزال تفرض رقابة عسكرية صارمة على المعلومات المتعلقة بحجم الدمار والخسائر البشرية، وهناك مؤشرات من الإعلام الإسرائيلي على أن الأضرار قد تكون أكبر بكثير مما أُعلن".
وشدد على أن "الأرقام المتاحة حول الضحايا لا تكفي لتحديد ميزان الانتصار أو الهزيمة، فالصورة الكاملة لا تزال قيد التكوين، لا سيما وأن إسرائيل لم تتعرض منذ تأسيسها لمثل هذا الحجم من الهجمات خلال فترة زمنية قصيرة، بقدر ما تعرضت له خلال 12 يومًا من صواريخ وطائرات مسيرة يفوق 10% من مجمل ما واجهته في حروبها السابقة، وهو تطور لافت في قواعد الاشتباك".
وفي ضوء هذه الآراء المتباينة، تبدو الحرب بين إيران وإسرائيل، رغم توقفها الميداني، مفتوحة على احتمالات سياسية وأمنية متعددة، وسط تساؤلات عن المرحلة التالية وهل ستستمر الهدنة أم ستكون مجرد استراحة مقاتل قبل جولة أشد؟
ورغم توقف صوت الصواريخ والطائرات المسيرة، لم تتوقف الأسئلة الكبرى حول ما آلت إليه المواجهة بين إيران وإسرائيل، فبين روايات النصر المعلنة وخسائر الواقع الصامتة، يبقى المشهد مفتوحًا على جولة تقييم قد تكون أشد وقعًا من ساحة المعركة نفسها.
وفي ظل غياب الشفافية الكاملة، ومحاولات كل طرف رسم صورة "المنتصر"، يبدو أن الحرب لم تنتهِ فعليًا، بل فقط انتقلت إلى طاولة الحسابات السياسية والإعلامية، حيث يُكتب التاريخ بمنطق المصالح لا الخسائر.